بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: أَنَّ الثَّبَاتَ عَلَى دِينِ الله وَمُلَازَمَةَ صِرَاطِهِ الْـمُسْتَقِيمِ وَالْـمُدَاوَمَةَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْـحَذَرَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْـمَعَاصِي وَالْـمُـحَرَّمَـاتِ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ الْإِيمَـانِ وَسَبَبٌ لِـحُصُولِ الْـخَيْرَاتِ وَتَنزُّلُ الرَّحْمَةُ، بِهِ يَـحْصُلُ الْيَقِينُ وَمَرْضَاةُ رَبِّ الْعَالَـمِينَ وَيَجِدُ الْـمُسْلِـمُ حَلَاوَةَ الْإِيمَـانِ وَطُمَأْنِينَةَ النَّفْسِ وَرَاحَةَ الْبَالِ وَبَرْدَ الْيَقِينِ (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين)- [الزمر/22].
وقال تعالى -(أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون)- [الأنعام/122] إِنَّ الثَّبَاتَ عَلَى دِينِ الله هُوَ الرُّجُولَةُ الْـحَقَّةُ وَالِانْتِصَارُ الْعَظِيمُ فِي مَعْرَكَةِ الطَّاعَاتِ وَالْأَهْوَاءِ وَالرَّغَبَاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الثَّابِتِينَ الْـمُسْتَقِيمِينَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْـمَلَائِكَةُ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا لِتَطْرُدَ عَنْهُمُ الْـخَوْفَ وَالْـحَزَنَ وَتُبَشِّرَهُمْ بِالْـجَنَّةِ وَتُعْلِنَ وُقُوفَهَا إِلَى جَانِبِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) نزلا من غفور رحيم)- [فصلت/30-32] قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَـمْ يُشْرِكُوا بالله شَيْئًا وَلَـمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِلَـهٍ غَيْرِهِ ثُمَّ اسْتَقَامُوا عَلَى أَنَّ اللهَ رَبُّهُمْ.]وَقَالَ الْـحَسَنُ الْبَصَرِيُّ رَحِـمَهُ اللهُ: «اسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ الله فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنَبُوا مَعْصِيَتَهُ».
مَا أَجْمَلَ الطَّاعَةَ إِذَا أُتْبِعَتْ بِطَاعَةٍ، وَمَـا أَعْظَمَ الْـحَسَنَةَ وَهِيَ تَنْضَمَّ إِلَى الْـحَسَنَةِ، لِتَكُونَ مِنَ الْأَعْمَـالِ الصَّالِـحَةِ الَّتِي تَرْفَعُ الْعَبْدَ إِلَى الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَتُنَجِّيهِ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَةِ الله وَفَضْلِـهِ، وَمَـا أَتْعَسَ الْـمَرْءَ وَأَقَلَّ حَظَّهُ مِنَ الْإِسْلَامِ أَنْ يَهْدِمَ مَا بَنَى وَيُفْسِدَ مَا أَصْلَـحَ، وَيَرْتَدَّ إِلَى حَمْأَةِ الْـمَعْصِيَةِ وَظُلْـمَةِ الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ ذَاقَ لَذَّةَ الْإِيمَـانِ وَحَلَاوَةَ الطَّاعَةِ، وَلَقَدْ كَانَ مِنْ دُعَاءِ الْـمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم الْـمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَـالِ الصَّالِـحَةِ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً. سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا هَلْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَـخْتَصُّ مِنَ الْأَيَّامِ شَيْئًا قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُـهُ دِيمَةً وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُطِيقُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم «أَحَبُّ الْأَعْمَـالِ إِلَى الله تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنَّ قَلَّ».
قَالَ الْـحَسَنُ الْبَصَرِيُّ رَحِـمَهُ اللهُ: «أَبَى قَوْمٌ لِلْـمُدَاوَمَةِ وَاللهِ مَا الْـمُؤْمِنُ بِالَّذِي يَعْمَلُ الشَّهْرَ أَوِ الشَّهْرَيْنِ أَوْ عَامًـا أَوْ عَامَيْنِ، لَا وَاللَّهِ مَا جَعَلَ لِعَمَلِ الْـمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْـمَوْتِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ الْـحَقِّ سُبْحَانَهُ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)- [الحجر/99] وَإِنَّ الثَّبَاتَ عَلَى الطَّاعَةِ وَلُزُومَ الصِّرَاطِ الْـمُسْتَقِيمِ عَزِيزٌ وَعَظِيمٌ، لَا سِيَّمَـا مَعَ فَسَادِ الزَّمَـانِ وَكَثْرَةِ الْـمُغْرِيَاتِ وَتَتَابُعِ الشَّهَوَاتِ وَكَثْرَةِ الشُّبُهَاتِ وَضَعْفِ الْـمُعِينِ وَكَثْرَةِ الْفِتَنِ الَّتِي أَخْبَرَ عَنْهَا صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِـهِ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَـالِ فِتَنًا كَقَطْعِ اللَّيْلِ الْـمُظْلِـمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرْضٍ مِنَ الدُّنْيَا»رَوَاهُ مُسْلِـمٌ وَالنَّفْسُ الثَّابِتَةُ عَلَى دِينِ الله تَـحْتَاجُ إِلَى الْـمُرَاقَبَةِ التَّامَّةِ وَالْـمُلَاحَظَةِ الدَّائِمَةِ وَالْأَطْرِ عَلَى الْـحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْبُعْدِ عَنْ مُوَاطِنِ الْـهَوَى وَالْـمُـجَاوَزَةِ وَالطُّغْيَانِ وَلِأَجْلِ هَذَا فَقَدَ أَرْشَدَ أُمَّتَهُ بِقَوْلِـهِ «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُـحْصُوا» رَوَاهُ مُسْلِـمٌ.
وَبِقَوْلِـهِ «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالسَّدَادُ هُوَ حَقِيقَةُ الِاسْتِقَامَةِ وَالثَّبَاتِ وَهُوَ الْإِصَابَةُ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَـالِ وَالْـمَقَاصِدِ وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَجَلُّ قَوْلُ الله تَعَالَى (فاستقيموا إليه واستغفروه)- [فصلت/6] وَمَدَارُ الثَّبَاتِ عَلَى دِينِ الله وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى طَاعَتِهِ عَلَى أَمْرَيْنِ هُمَـا حِفْظُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ فَمَتَى اسْتَقَامَـا اسْتَقَامَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ وَصَلُـحَ الْإِنْسَانُ فِي سُلُوكِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ وَمَتَى اعْوَجَّا وَفَسَدَا فَسَدَ الْإِنْسَانُ وَضَلَّتْ أَعْضَاؤُهُ جَمِيعًا.
فَفِي الصَّحِيـحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَلَا وَإِنَّ فِي الْـجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُـحَتْ صَلُـحَ الْـجَسَدُ كُلُّـهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْـجَسَدُ كُلُّـهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
وَعِنْدَ الْإِمَـامِ أَحْـمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَـالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَـانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ
وَإِنَّ لِلثَّبَاتِ عَلَى دِينِ الله وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى شَرْعِهِ أَسْبَابًا فَمِنْ ذَلِكَ الْإِيمَـانُ الصَّادِقُ وَالِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالتـَّمَسُّكُ بِهِمَـا عِلْـمًـا وَعَمَلًا وَكَثْرَةُ الْعِبَادَةِ وَالْـمُدَاوَمَةُ عَلَى الطَّاعَةِ وَالِاقْتِدَاءُ بِالسُّنَّةِ وَالْـحَذَرُ مِنَ الْـمَعَاصِي وَالْبِدَعِ وَكَثْرَةُ الدُّعَاءِ وَالْإِلْـحَاحُ عَلَى الله فِيهِ وَالْـمُدَاوَمَةُ عَلَى ذِكْرِ الله وَعَلَى الْـمُسْلِـمِ الْبَاحِثِ عَنِ الثَّبَاتِ وَأَسْبَابِهِ أَنْ يَـحْرِصَ عَلَى مُرَافَقَةِ الصَّالِـحِينَ وَالْعُلَـمَـاءِ الرَّبَّانِيِّينَ الْعَامِلِينَ وَالدُّعَاةِ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ يُثَبِّتُونَ النَّاسَ عِنْدَ الْفِتَنِ وَيُؤَمِّنُونَهُمْ فِي أَزْمِنَةِ الْـخَوْفِ وَالرَّهْبَةِ وَيُكْثِرُ مِنْ مُـجَالَسَتِهِمْ فَإِنَّ مُلَازَمَتَهُمْ وَمُـجَالَسَتِهِمْ تُزِيدُ الْإِيمَـانَ.
قَالَ أَنَسُ بْنُ مَـالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «لَـمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْـمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَـمَّـا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَـاتَ فِيهِ أَظْلَـمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَـا نَفَضْنَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا».
وآخر دعوانا ان الحمدلله رب العالمين..
الكاتب: محمد الحربي
المصدر: موقع صيد الفوائد